مرحلة التمرد والمجابهة
نجد أن
الشعب الذي ظلوا يقولون له إنه لا يمكن أن يفهم غير لغة قسوة، يجزم أمره
الأن، على أن يعبر عن نفسه بلغة القسوة، فبزوغ فجر الكفاح المسلح،
يشير إلى أن الشعب قد قرر ألا يثق إلا بالوسائل الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية، وأن الطغاة لا يفهمون إلا بلغة القوة.
الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد ليتخلص الشعب المقهور من
عقدة النقص والجبن والخوف التي غرسها في عروقه الطغاة، إنه أيضاً من خلال هذا
الكفاح الثوري يحقق الشعب ذاته، وينقى نفسه من الكسل والخبل والاتكالية، ويطهر الثورة من السموم، إنه يخلص الطغاة من مركب النقص الذي يعيث في نفسه فساداً، كما يحرره من مواقفه التأملية البائسة ويبعد عنه الخوف، ويرد إليه اعتباره في نظر نفسه.
يصل المجتمع المقهور بالضرورة في مرحلة من مراحل تطوره
إلى الثورة، بعد فترة شيوع العلاقات الاضطهادية. وهنا يتوجه العنف ضد القوى
المسؤولة عن القهر (المستعمر والمتسلط الداخلي) يتضح للشعب أن الثورة هو سبيل
الوحيد كي يعبر عن نفسه وعن حقه في الوجود. لقد يئس من إمكانية تحقيق الحق الذاتي
بالرضوخ أو بالعنف الداخلي، ليس هناك من لغة ممكنة من قوى التسلط سوى لغة مماثلة للغتها،
لغة القسوة، لغة الغلبة، ومع ترسخ اليأس من الحوار السلمي أو الرضوخ.
يترسخ الإحساس بضرورة العنف وإلا تحول الشعب إلى ضحية
دائمة ونهائية. نحن هنأ أمام الظاهرة التي يسميها علماء الأحياء (برد فعل
الحرج والتي تتلخص في الخيار بين الفناء أو المجابهة) فقد يستسلم الكائن الحي
ويرضخ أو يهرب طالما برزت لديه إمكانية للنجاة، ولكن عندما تنعدم هذه إمكانية
يتحول الضعف إلى قوة يستجيب برد فعل حيوي، يعبئ كل طاقاته ويكثفها في دفاع مستميت
عن وجوده.
ومن المعروف في هذا الحالة أن فئة مستضعفة قد تغلب فئة قوية،
انست إلى قوتها واطمأنت إلى أن الغلبة ستكون بجانبها، ولذلك فهي تستجيب بشيء من
التراخي الذي يشكل مقتلا لها. الكثير من الانتصارات المفاجئة وغير المتوقعة التي
حققتها فئة قليلة ضد فئة تفوقها عدة وعدداً، كان للاستجابة الحرجة دور هام فيها.
نتواصل في سيكولوجية الإنسان المقهور