بقلم: نورالدين كوكى
عاشت السودان تاريخًا طويلًا من الصراعات القبلية التي تتداخل مع تعقيداته السياسية والاجتماعية. وقد ساهم الخطاب الشعبوي في إذكاء هذه الصراعات، مستغلًا الفقر والتهميش وسوء الإدارة لخلق حالة من الانقسام والاستقطاب. يتمثل هذا الخطاب في خطاب سياسي بسيط وشديد العاطفية يوجه غالبًا ضد "الآخر"، ويستخدم لتمكين جماعات محددة أو لتحقيق أهداف سياسية قصيرة الأمد دون اعتبار للتداعيات البعيدة. في السودان، كانت هذه الديناميكيات بارزة في تعزيز العنف القبلي وعرقلة بناء الدولة.
ومن أبرز أسباب تحشيد الصراعات القبلية عبر الخطاب الشعبوي تتمثل في التهميش السياسي والاجتماعي، وحيث أن الثابت يعاني السودان من غياب نظام سياسي عادل يضمن تمثيلًا متساويًا لمكوناته. تستغل القوى السياسية هذا التهميش لبناء دعم شعبي قبلي عبر تأجيج المظالم التاريخية، مما يزيد من فظاظة الانقسامات القبلية.
وهذا لا يعنى أن نكبة الاقتصادية لم تلعب دورا محوريا في خطاب الشعبوي، بل على عكس من ذلك، قد أدى انتشار الفقر والبطالة إلى تفاقم الإحباط الشعبي، مما يوفر أرضية خصبة للخطاب الشعبوي. يتم استخدام هذا الخطاب كوسيلة لتوجيه اللوم على جماعات أخرى، وهو ما يؤدي إلى تأجيج الصراعات.
ولا مناص من القول إن ضعف الدولة وسيادة القانون هو سيد الموقف في ظل غياب حكومة مركزية قوية وفعّالة لذا تصبح القبائل المصدر أساسي للحماية والهوية. يستغل الخطاب الشعبوي هذا الفراغ لإبراز "القوة القبلية" كبديل، مما يعمق الانقسام الاجتماعي.
من زاوية مختلفة، تلجأ النخب السياسية إلى إقامة تحالفات مع القبائل بهدف الحصول على دعم سياسي خلال الانتخابات أو لتأمين تأييد وتعبئة في أوقات الحروب الأهلية. وفي المقابل، يعزز الخطاب الشعبوي الولاءات القبلية على حساب الهوية الوطنية. وهذا يدل على أن تأثيره لا يقل عن تأثير الإعلام غير المسؤول ووسائل التواصل الاجتماعي في نشر الخطاب الشعبوي، مما يؤدي إلى تحريف الحقائق وزيادة التوترات.
من الضروري أن نبرز أن العالم قد تجاوز الصراعات المرتبطة بالحقوق والواجبات من خلال إرساء مبادئ الحكم الرشيد وتعزيز مفهوم الدولة الوطنية. بناءً على ذلك، يجب علينا الابتعاد عن الانقسامات القبلية الضيقة والتوجه نحو فضاء الوطن والمواطنة المتساوية. كما ينبغي العمل على إنشاء نظام حكم يضمن العدالة والشفافية ويسعى لتحقيق التنمية المتوازنة في جميع أنحاء السودان.
وتأسيسا على ذلك، يتعين علينا تعزيز الهوية الوطنية المشتركة والتركيز على ترسيخ القيم والانتماء الوطني لتجاوز الولاءات القبلية. يمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير المناهج التعليمية، وتنفيذ برامج التوعية المجتمعية، وإصلاح القطاع الإعلامي عبر وضع ضوابط صارمة للإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لضمان عدم انتشار خطاب الكراهية أو المعلومات المضللة.
من ناحية أخرى، ينبغي أن تركز الجهود على تحقيق تنمية شاملة في جميع المناطق المهمشة في السودان، حيث يُعتبر مواجهة الفقر والبطالة خطوة أساسية لا غنى عنها للحد من التوترات القبلية.
وفضلا على إطلاق مبادرات المصالحة الوطنية، ينبغي تنظيم جولات حوارية في طوله مستديرة تجمع بين القبائل والجماعات المختلفة لتعزيز التفاهم وبناء الثقة، وتفعيل القانون ومحاربة الإفلات من العقاب وتطبيقه بصرامة ضد كل من يروج للخطاب الشعبوي أو يثير النزاعات القبلية.
خلاصة القول، يُعد الخطاب الشعبوي من أبرز التحديات التي تعيق تعزيز الوحدة الوطنية في السودان، حيث يسهم في تفاقم الصراعات القبلية ويضعف من كيان الدولة. ومع ذلك، يمكن التغلب على هذا التحدي من خلال تنفيذ إصلاحات شاملة تستهدف الأسباب الجذرية لهذه الصراعات وتعزز العدالة والتنمية. من الضروري أن تتعاون الحكومة مع المجتمع المدني والشركاء الدوليين لضمان تحقيق مستقبل مستقر للسودان، يقوم على أسس الوحدة والعدالة.